نص" في المطار "
هبة ضيان
في المطاراتِ فقط، اكتشفتُ ما هو أثمنُ شيءٍ _ يكاد أن يكون _ في الوجود، ولا تزداد قيمته إلا في المطارات، ألا وهو المناديل، مناديلٌ لمسحِ الدمع.
يصيحُ أحدهم: تذكرةٌ للبيع، مَن يشتري؟
لا أحد يشتري
حسنًا
قلب من يبيع؟
ما من مجيب
تذكرتين مقابل قلب، من يبيع؟
لم يتبقَ لدينا قلبٌ يا هذا، يكاد يتبخّر من شدّة حرارة الدمع، أَما من قلبٍ زائد؟!
لكنّنا نحن الأقوياء، أتُشَلُّ أقدامنا على السلالم؟
نحن ندفن دموعنا وندسُّها في الحقائب بين الثياب تحت الفرشاة، ريثما تختبئ تحت الأسرّة، نعلّق أحزاننا على الرفوف، وفي الطائرة
طلبتُ من النادلة قائلةً:
قلب، أيوجد لديكم؟ توقّفتُ عن الإحساس ولم أعد أشعر، أظنّني تجمّدت، بالمناسبة كم الحرارة هنا؟
صاحت: معتوهة.
ومضت
حينما وصلتُ، طلبتُ من المساعدة في الفندق أن تحمل لي حقائبي
قالت: كم هي خفيفة، هل هي فارغة؟
عزيزتي، هل أنتِ حمقاء؟ إنّها ثقيلة جداً، مُثقَلةٌ بالخيبات والدمع.
جرّبتُ رفعها فلم أقوَ، لم أستطع حملها.
إنّها ثقيلةٌ جدًا، آلمَتْ يدي، حتى اُنظري، قد تخثّر الدم في أصابعي، قد وضعتُ بها كلَّ ما أملك وما لا أملك، كقلبي مثلًا .
أضافت: يا إلهي، أأنت ساحرة! كيف هذا؟ في كل الأحوال أنتِ مريبة حقًا!
تابعتُ: عذرًا .. كاتبة
لتُكمل: معتوهة
أفرغت غضبي عليها ببضع كلمات : بل أنتِ المعتوهة، أيا جعسوسة .. لعنكِ الله، اغربي عن وجهي!
وهنا، من يبيع قلبًا؟ لم أجد في المطار ولا في الطائرة ولا حتى في أحلام العصر المزعجة، ولم أستطع تخيّلها في مخيّلتي وعقلي حتى، بحثتُ في كلّ مكانٍ ولم أجد.
من يبيع قلبًا مقابل لترٍ من الدموع، لكن من يبيع؟
كلّ من في الطائرة يبكي كنواحِ الطير، أعرفهم جميعًا، قد تشاركنا الحزنَ سويّةً وبكينا على ذات الصفحات .
هبة ضيان
جريدة أطياف
أين تعليقك اللطيف يا جميل